الأسد يطوي صفحة “الربيع العربي” سياسياً.. والمقاومة تترجمه في الميدان
باتت مشاركة الرئيس السوري د. بشار الأسد في قمة جدة العربية هي الحدث الأبرز على صعيد القمم العربية منذ إثني عشر عاما، ومشهد اليوم بات متمايزاً بكل المقاييس، فتأتي قمة جدة العربية لتطوي صفحة أليمة من عمر المنطقة العربية برمتها والتي حملت زوراً وبهتانا مسمى “الربيع العربي”، والتي سرعان ما تبين انه خريف قاس ومدمر، كان هدفه الأول والأخير إستكمال القضاء على كل مقومات الصمود في العالم العربي، من خلال تغيير الأنظمة التي كانت قائمة واستبدالها بأخرى “دينية” وما شهدناه في مصر وليبيا وتونس وغيرها خير دليل على ما سبق ذكره، لكن دمشق كانت كعادتها صخرة الصمود التي تغيّر المعادلات في الأوقات المصيرية، فنجحت بفضل جيشها وقيادتها وشعبها ودعم حلفائها لها ووقوف المقاومة في لبنان الى جانبها في كسر احدى حلقات “الربيع العربي”، ورغم الأثمان الغالية التي بذلت بشرياً واقتصاديا نجحت سوريا بقيادة الرئيس الأسد في تغيير وجه المنطقة والقضاء على مخطط تدميرها واستباحة ما تبقى من قوى صمود ومقاومة، فأفشلت ما تم التخطيط له من مشاريع التطبيع عبر مشروع صفقة القرن واتفاقيات ابراهام، وغيرها من مسميات تهدف اولا واخيرا الى طمس فلسطين وقضيتها عن الوجود.
أما اليوم وبعد مرور إثني عشر عاماً بات الحلم واقعاً وتم طي صفحة “الربيع العربي” بعد الانتصار الميداني لسوريا، والذي ترجم بإنتصار سياسي تمثل بعودتها الى موقعها الطبيعي في جامعة الدولة العربية التي إستعادت رونقها ودورها بعودة سوريا اليها، وهذا القرار العربي الذي يترجم رؤية عربية جديدة تشكل المملكة العربية السعودية محوراً أساسياً فيه، ويعبّر عن قراء جديدة للواقع الجيو- سياسي (مع بدء العملية العسكرية في أوكرانيا)، والذي تمثل بإتفاق بكين بين المملكة السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران، ويستكمل اليوم من خلال مشاركة الرئيس الأسد في قمة جدة التي ستكون مميزة ومتمايزة بكل المعايير والمقاييس، بدءاً من تسميتها حيث أطلق على قمة جدة تسمية قمة القدس مع ما تعنيه هذه التسمية من رمزية ودلالة، على مسافة أيام من ملحمة الصمود الجديدة في غزة تحت عنوان ثأر الأحرار.
إذاً عادت سوريا الى الجامعة العربية ورئيسها يشارك في قمة جدة ويستعيد معه فلسطين وقضيتها، ما يؤكد ان وجود سوريا وانتصارها هو ضمان وممر طبيعي لحضور فلسطين ووجودها في قلب الحدث العربي، ويتزامن ذلك مع حدث بارز لا يقل أهمية عن قمة القدس العربية في جدة، وهو المناورة التي ستجريها المقاومة في جنوب لبنان يوم الأحد المقبل، على مسافة أمتار قليلة من فلسطين المحتلة التي نجحت من خلال عملية ثار الأحرار في تكريس معادلة ردع جديدة، ما يعني طي صفحة “الربيع العربي” الذي أراد القضاء على مفهوم وفكرة المقاومة، وبالتالي يتكامل المشهد ما بين قمة جدة التي تحمل القدس عنوانا لها، ومناورة المقاومة في مشهدية تعيد توجيه البوصلة نحو فلسطين، ما يكرس حقيقة الإنتصار بشقيه السياسي والعسكري، وهو ما يطرح التساؤلات حول ما سنشهده في القادم من الأيام بعد قمة جدة ومناورة المقاومة.
يوسف الصايغ – صحافي وكاتب سياسي